تعود شواهد الحضور البشرى بهضبة المنستير إلى حوالي 30 ألف سنة خلت وترك فجر التاريخ للمنستير من ذكراه مجموعة من المدافن المنقورة في الجزر المقابلة لليابسة ( الحوانت) الفنيقيون مرّوا من هنا واعطوا للمدينة أقدم أسمائها (روسبينا = رأس الزاوية ؟ ) وأقدم وظائفها الثغر , ومنذ هذا العصر كانت المنستير مسرحا لبعض فصول تاريخ بلادنا حينا وطرفا فاعلا أحيانا. فقد ضرب التاريخ لروسبينا موعدا مع بولبوس قيصر في حرية الإفريقية (46ق.م) إذ وهبها بعضا من تألق إنتصاره على خصمه بومبيوس فنالت.المدينة منزلة مرموقة بين المدن الإفريقية المرومنة.
ولقد تبين من أبحاث الدكتور نجيب قلالة أن مركز المدينة الرومانية يحوم حول ربوة هنشير التنير.حبث أبرز التنقيب بعض شواهد الرقي العمراني ( حماما عموميا ، بقايا أسوار، فسيفساء ...) على أن شواهد مجال المدينة تمتد على كامل المنستير الحالية لتصل شرقا إلى جزيرة الغدامسي وجنوبا إلى منطقة الغدير وجوفا إلى القديمة قرب القصر الرئاسي حيث أبرز التنقيبات التي أشرف عليها الدكتور نبيل قلالة مقبرة تعود لأواخر العهد العتيق وربما للعصر البيزنطي الذي استمدت منه المدينة على الأرجح اسمها الحالي : المنستير يوم.
ثغرا بدأت المنستير وثغرا تعود في الحضارة العربية الإسلامية ، فتحت مع سوسة ترجيحا ، وتكن نكرة قبل حلول هرشمة بن أعين تأكيدا فقد كان تأسيس رباطها الشهير في 180هـ/796م) جزء من سياسة واضحة المعالم لهارون الرشيد وبقرار منه ، غير أن اختيار هذا الموضع بالذات كان استحابة لضغوط عبّاد افريقية وزهادهم الذين قال زعيمهم هيثة ‹ ماذكرت من موضع إلا والمنستير خير منه ›.
وهكذا نما الرباط منذ تأسيسه في كنف رجال العلم والزهد وتحول سريع من مركز روحي مشع دعم في أواسط القرن الثالـث هجـري بأربطة أخرى حوله يزار منها الآن رباط دويد ( سيدي ذويب ) وقصر ابن الجعد الذي كشف عنه أخيرا وأصبحت المنستير بذلك مجمع أربطة على غاية من القداسة لأهل إفريقية ناهيك أنها انفردت من دون حصون البلاد برعاية الفاطميين وسمح لعلمائها بمجادلة الخليفة الفاطمي نفسه .
وتشهد المنستير في العهد الزيري عصرها الذهبي حيث سلمت من ويلات الزحف الهلالي، ورأى الزيربون في رعايتها خير ما يثبت لأهل إفريقية تمسكهم بالمذهب المالكي فتعددت المساجد بها كالمسجد الكبير قبلي الرباط ومسجد الإمام المازري غربيه وأضيف بها رباط السيدة أم ملال عمة المعز ونالت المنستير من القداسة ما جعل الناس يرغبون أن تكون معبرهم إلى الآخرة لذا تعتبر المقبرة البحرية بالمنستير متحفا كبيرا لتاريخ المحتمع الإفريقي بما خلفته من نقائش يعود قسمها الأكبر إلى العهد الزيري ولعل أجل دفناء هذه المرحلة الامام المازري الذي صار رمزا للمنستير وأهلها .
بعد نكبة النورمان والفتح الموحدي استعادت المنستير كثيرا من إشعاعها تحت الحكم الحفصي واستفادت من سياسة الحفصيين العمرانية لتتحول إلى مدينة ذات ملامح كلاسيكية فتبنى أسوارها ذات البوابات البديعة كباب الدرب وباب السور وتتعدد مساجد الاحياء بها ( ق7هـ/13 م ) ثم يتحول الربـاط إلى قصبة حفصيـة ويضيف إليـه أبو فارس عبد العزيز مدخله الغربي الحالي .
في آخر هذا العهد تخلع المنستير عنها تبعية السلطان الحفصي المستكين وتستعيد دورها الجهادي فتنحاز للأرغوث باشا ضد الإسبان وتجني مع البلاد النصر لكنها تدفع ضريبة تهاون آخر الحفصيين فتخضع للحكم التركي وتواصل رغم الهزّات نموها العمراني في العصر المرادي فتتوسع أرباضها وأسوارها تبعا لذلك .وإلى هذا العصر يعود الباب الغربي، وباب بريقشة وجامع شليو.
أمّا في العهد الحسيني فيتواصل النموّ العمراني ويظهر الربض الجديد ( حي الربط ) وسوره الباقي حيث باب تونس وفي هذه الفترة يستكمل وطن المنستير ملامحه الإدارية ليشمل ولايتي المنستير والمهدية الحاليتين . تشهد المنستير خلال القرن التاسع عشر حيوية اقتصادية بفضل مينائها وتلعب دورا بارزا في التجارة الدولية ناهيك أنه انتصبت بها أكثر من عشر قنصليات أجنبية لكن أزمة أواسط القرن وخاصة محلة زروق الإنتقامية من المنستير بسبب رفضها الدفع بأبنائها في قمع ثورة علي بن غذاهم ( 1864) تدخل المدينة وأهلها في دوامة التفقير والإضطهاد. أخيرا، فقد لحق المنستير الضرر الأكبر خلال الإحتلال الفرنسي حيث وجدت نفسها خارج شريان المواصلات الرئيسي بالساحل.
ومن الحيف أن تذكر المنستير خلال هذه الفترة فقط كمسقط رأس الزعيم الحبيب بورقيبة إذ تحمل أهلها أمانة المواجهة منذ معركة التجنيس، وقدموا خلالها وبعدها الشهيد تلو الشهيد على مذبح الخرّية : شعبان البحوري ، سعيد المرشاوي ، أحمد الغندري ، مصطفى بن جنات ،وعبد السلام تريمش وناجي الخلفوني
واستعادت المنستير في مرحلة السيادة التونسية دون كائن تستحقه وتواصلت بها مطاهر النمو العمراني والإزدهار الإقتصادي وأصبحت عاصمة لولاية المنستير سنة 1914 وشيدت بها المنتجعات السياحية ، والمؤسسات الجامعية لتستعيد دورها الريادي في استقطاب أهل العلم والثقافة من داخل البلاد وخارجها ويظل أهل المنستير أبدا مرابطين من أجل العزة تونس.